من الواضح أن كبار المسؤولين فى هذه المرحلة لا يريدون أن يخفوا الحقائق عن الشعب، بحسبان أن الأمر فى النهاية كله سيرجع إليه وسيكون هو أول من يتأثر بهذه الحقائق. ومن أوضح هذه الحقائق أن الجهاز الإدارى «الوسيط» فى مصر يعانى خللاً وترهلاً شديدين. والفساد يعيث فيه بحيث يتعذر عليك أن تعرف الفاسد من غير الفاسد. وعندما أتكلم عن الجهاز الإدارى الوسيط فإننى أعنى أنه قد يكون الوزير أو الرئيس فى مؤسسة من المؤسسات العامة الأساسية صالحاً وغير فاسد ولكنك إذا نزلت خطوة واحدة فإنك ستصاب بالرعب من فداحة الجهل وضخامة الفساد: الأمران معاً. من هنا فإننا يجب أن نأخذ موضوع الإصلاح الإدارى مأخذ الجد الذى لا هوادة فيه. كنت ومازالت أقول إن الإدارة الجيدة تخلق ثروة وإن الإدارة السيئة تبدد ثروة، وأوضح مثالين على ذلك اليابان من ناحية وأغلب بلادنا فى المشرق العربى من ناحية أخرى. اليابان بلد لا ثروات فيه. عكس ذلك هو صحيح فإن المآسى الطبيعية كثيرة ولكنه بلد يعرف قيمة العمل ويرى أن الحياة هى العمل ومن لا يعمل يحكم على نفسه بالموت، وكثيرا ما كنا نسمع عن يابانيين ينتحرون لأنهم فقدوا فرصتهم فى عمل منتج. لم يعد ذلك الآن بطبيعة الحال؟ هذا كله يدعونى إلى أن أقول وأكرر أن الأمر جدّ لا هزل فيه. وأن قضية الإصلاح الإدارى بالنسبة لنا هى قضية حياة أو موت. لقد عهدت رئاسة الدولة إلى الجيش بتنفيذ مشروع قناة السويس العملاق ولكن لو تصورنا أن مثل هذا المشروع المحورى الذى نعوّل عليه كثيراً فى مستقبل أيامنا هذه، سواء المستقبل القريب أو البعيد نسبياً، لو تصورنا أن هذا المشروع عهد به إلى الأجهزة الإدارية العادية فى الدولة هل من الممكن أن يتصور أحد إمكانية إنجازه فى الوقت المحدد والطريقة المبتغاة وعلى النحو المنشود؟ ما أظن ذلك كان ممكنا، ومن هنا رأت القيادة العليا أن تعهد بهذا الأمر إلى القوات المسلحة. إننى أشعر بسعادة غامرة وأنا أسمع الفريق مميش وهو يتحدث عن المشروع. وأنا هنا أذكر اسم الفريق مميش باعتباره الوحيد الذى لا أعرفه معرفة شخصية من قبل أن يتولى منصبه، وإن كنت كعهدى دائما آثرت الابتعاد عن المسؤولين عندما يكونون فى مناصبهم، مكتفياً بإبداء الرأى إذا طلب منى إبداء الرأى. والإصلاح الإدارى ليس معناه تفعيل أجهزة النيابة الإدارية والرقابة الإدارية وما إلى ذلك فحسب. الإصلاح الإدارى يجب أن يكون ضمن منهج متكامل وتنمية إدارية متكاملة. ومن عجب أن وزارة التنمية الإدارية ألغيت منذ فترة، بعد أن تولاها بنجاح الدكتور أحمد رشيد، الأستاذ بكلية الهندسة، ولكنها فيما يبدو عادت فى الأيام الأخيرة، إذ إن أحد الوزراء- الذى أشهد أنى سمعته فى ندوة عامة فأعجبت به إعجاباً شديداً- يجمع إلى التخطيط التنمية الإدارية وأموراً أخرى كل منها يحتاج إلى وزارة مستقلة. قد يصلح إسناد إدارة مشروع قناة السويس الجديدة، الإنشاء أولا ثم الإدارة بعد ذلك، ولو لفترة معينة، إلى القوات المسلحة ولكن لا يمكن إدارة أجهزة الدولة المختلفة بواسطة القوات المسلحة. لا يتصور أن تدار المستشفيات والجامعات والمدارس بالقوات المسلحة وإلا جعلنا أجهزة الدولة معسكراً، لذا أقول وأكرر أهمية الإدارة، خاصة بالنسبة للأجهزة الوسيطة كما قلت من قبل. إن وجود كليات للإدارة يدرس فيها علم الإدارة من الناحية النظرية ويجرى فيها تدريب الدارسين أمر ضرورى ولازم. ما لم نفعّل دور الإدارة فى مصر فإننا لن نستطيع أن نبنى مصر التى نريدها وسنظل نتكلم ونتكلم ولا نفعل شيئا على أرض الواقع. الإدارة ثم الإدارة وثالثا ثم الإدارة. الذى أريد أن أقوله إن الإدارة فن وعلم وإنها ليست ارتجالاً ولا فهلوة وإن حاجتنا إلى الإدارة السليمة هى حاجة إلى الحياة السليمة نفسها. والله المستعان. elgamallawoffice@gmail.com
|
الاثنين، 27 أكتوبر 2014
الادارة….الادارة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق