الاثنين، 27 أكتوبر 2014

الادارة….الادارة

من الواضح أن كبار المسؤولين فى هذه المرحلة لا يريدون أن يخفوا الحقائق عن الشعب، بحسبان أن الأمر فى النهاية كله سيرجع إليه وسيكون هو أول من يتأثر بهذه الحقائق.
ومن أوضح هذه الحقائق أن الجهاز الإدارى «الوسيط» فى مصر يعانى خللاً وترهلاً شديدين. والفساد يعيث فيه بحيث يتعذر عليك أن تعرف الفاسد من غير الفاسد. وعندما أتكلم عن الجهاز الإدارى الوسيط فإننى أعنى أنه قد يكون الوزير أو الرئيس فى مؤسسة من المؤسسات العامة الأساسية صالحاً وغير فاسد ولكنك إذا نزلت خطوة واحدة فإنك ستصاب بالرعب من فداحة الجهل وضخامة الفساد: الأمران معاً.
من هنا فإننا يجب أن نأخذ موضوع الإصلاح الإدارى مأخذ الجد الذى لا هوادة فيه.
كنت ومازالت أقول إن الإدارة الجيدة تخلق ثروة وإن الإدارة السيئة تبدد ثروة، وأوضح مثالين على ذلك اليابان من ناحية وأغلب بلادنا فى المشرق العربى من ناحية أخرى.
اليابان بلد لا ثروات فيه. عكس ذلك هو صحيح فإن المآسى الطبيعية كثيرة ولكنه بلد يعرف قيمة العمل ويرى أن الحياة هى العمل ومن لا يعمل يحكم على نفسه بالموت، وكثيرا ما كنا نسمع عن يابانيين ينتحرون لأنهم فقدوا فرصتهم فى عمل منتج. لم يعد ذلك الآن بطبيعة الحال؟
هذا كله يدعونى إلى أن أقول وأكرر أن الأمر جدّ لا هزل فيه. وأن قضية الإصلاح الإدارى بالنسبة لنا هى قضية حياة أو موت. لقد عهدت رئاسة الدولة إلى الجيش بتنفيذ مشروع قناة السويس العملاق ولكن لو تصورنا أن مثل هذا المشروع المحورى الذى نعوّل عليه كثيراً فى مستقبل أيامنا هذه، سواء المستقبل القريب أو البعيد نسبياً، لو تصورنا أن هذا المشروع عهد به إلى الأجهزة الإدارية العادية فى الدولة هل من الممكن أن يتصور أحد إمكانية إنجازه فى الوقت المحدد والطريقة المبتغاة وعلى النحو المنشود؟ ما أظن ذلك كان ممكنا، ومن هنا رأت القيادة العليا أن تعهد بهذا الأمر إلى القوات المسلحة. إننى أشعر بسعادة غامرة وأنا أسمع الفريق مميش وهو يتحدث عن المشروع. وأنا هنا أذكر اسم الفريق مميش باعتباره الوحيد الذى لا أعرفه معرفة شخصية من قبل أن يتولى منصبه، وإن كنت كعهدى دائما آثرت الابتعاد عن المسؤولين عندما يكونون فى مناصبهم، مكتفياً بإبداء الرأى إذا طلب منى إبداء الرأى.
والإصلاح الإدارى ليس معناه تفعيل أجهزة النيابة الإدارية والرقابة الإدارية وما إلى ذلك فحسب. الإصلاح الإدارى يجب أن يكون ضمن منهج متكامل وتنمية إدارية متكاملة. ومن عجب أن وزارة التنمية الإدارية ألغيت منذ فترة، بعد أن تولاها بنجاح الدكتور أحمد رشيد، الأستاذ بكلية الهندسة، ولكنها فيما يبدو عادت فى الأيام الأخيرة، إذ إن أحد الوزراء- الذى أشهد أنى سمعته فى ندوة عامة فأعجبت به إعجاباً شديداً- يجمع إلى التخطيط التنمية الإدارية وأموراً أخرى كل منها يحتاج إلى وزارة مستقلة.
قد يصلح إسناد إدارة مشروع قناة السويس الجديدة، الإنشاء أولا ثم الإدارة بعد ذلك، ولو لفترة معينة، إلى القوات المسلحة ولكن لا يمكن إدارة أجهزة الدولة المختلفة بواسطة القوات المسلحة. لا يتصور أن تدار المستشفيات والجامعات والمدارس بالقوات المسلحة وإلا جعلنا أجهزة الدولة معسكراً، لذا أقول وأكرر أهمية الإدارة، خاصة بالنسبة للأجهزة الوسيطة كما قلت من قبل. إن وجود كليات للإدارة يدرس فيها علم الإدارة من الناحية النظرية ويجرى فيها تدريب الدارسين أمر ضرورى ولازم.
ما لم نفعّل دور الإدارة فى مصر فإننا لن نستطيع أن نبنى مصر التى نريدها وسنظل نتكلم ونتكلم ولا نفعل شيئا على أرض الواقع.
الإدارة ثم الإدارة وثالثا ثم الإدارة.
الذى أريد أن أقوله إن الإدارة فن وعلم وإنها ليست ارتجالاً ولا فهلوة وإن حاجتنا إلى الإدارة السليمة هى حاجة إلى الحياة السليمة نفسها.
والله المستعان.
elgamallawoffice@gmail.com


بيروقراطية عفِنة يستحيل إصلاحها.. الاستئصال والاستبدال هو الحل

  بقلم   د. طارق الغزالى حرب    ٢٧/ ١٠/ ٢٠١٤
لست بعيدا عما يحدث فى دواوين الحكومة وما يلاقيه أفراد الشعب المصرى من معاناة يومية تجعله أحياناً يكره حياته عندما يتطلب الأمر أن يحصل على أوراق رسمية لإنهاء معاملات ضرورية مع أجهزة الحكومة، وأعرف أن الموظفين المصريين وهم يمارسون لذة تعذيب المواطنين يكررون عبارة «ده الروتين يا سيد».. وكم سمعنا مع كل حكومة جديدة كلمات من نوعية كسر الروتين وإعادة الهيكلة والإصلاح الإدارى، وغير ذلك من المصطلحات التى سئمناها، وأصبحت بالنسبة لنا لا تعنى شيئاً.. فأقوى ما فى مصر، والدولة العميقة بحق فيها، هو منظومة الروتين الحكومى العفنة التى تجد فى قوانيننا البالية ما يحميها. لقد مررت الأسبوع الماضى بتجربة مع إحدى المصالح الحكومية، خاصة بموضوع تافه، ولكن هذه التجربة جعلتنى أطرح سؤالا على نفسى، رأيت أن أطرحه على المجتمع: هل يمكن فعلا إصلاح المنظومة الإدارية المُهترئة وتحدى الروتين العفن الذى يُعشش فى عقول الغالبية العظمى لما يقرب من ستة ملايين موظف حكومى، أم أن علينا أن نقتنع بأنه لا مكان لكلمة إصلاح فى هذا الشأن، وأن علينا أن نفكر بطريقة أخرى؟ الموضوع التافه الذى حدث معى هو أن شركة مياه الجيزة أرسلت على عيادتى طلبا أن يكون سداد قيمة استهلاك المياه لهم مباشرة وليس مع إيصال الإيجار الشهرى الذى تحصله هيئة الأوقاف لأنهم اتفقوا على هذا مع الهيئة منذ سنوات، وطلبوا خطاباً من مديرية أوقاف الجيزة يفيد بآخر شهر دفعت فيه قيمة المياه لهم.. ذهب سكرتير العيادة بتفويض منى على ورقة رسمية مختومة، ولكنهم طلبوا إما توكيلا رسميا موثقا بالشهر العقارى أو آتى بنفسى.. بالطبع ذهبت بنفسى مع السكرتير إلى مديرية الأوقاف بميت عقبة، وبعد السؤال والانتقال من شقة إلى شقة فى مكان ضيق وقذر يجلس فيه عشرات الموظفين والموظفات على مكاتب متلاصقة وملصق على الحوائط وراءهم أوراق عليها آيات قرآنية وأحاديث، وكل موظف يحيلنى إلى موظف آخر لعمل هذا الخطاب التافه، صدر الأمر من أحد رؤساء المكاتب لموظف عنده بكتابة الخطاب، ولكنه طلب منى أولا أن أقدم طلباً للمدير العام الأستاذ جمال بأننى أرغب فى الحصول على خطاب من الهيئة يفيد بتاريخ آخر شهر دفعت فيه قيمة المياه لهم مع إرفاقه بصورة من بطاقة رقمى القومى! فعلت المطلوب وأشر المدير العام بالموافقة على كتابة الخطاب لى، وأخذ الموظف يكتب الخطاب بخط يده لمدة نصف ساعة تقريباً مع أننى أعطيته صورة من آخر إيصال مكتوب عليه تاريخ سداد قيمة المياه.. المهم أن الخطاب تمت مراجعته وتوقيعه من اثنين من الموظفين مع ختم النسر الشهير. عندما تسلمت الخطاب تبين أن به خطأ فى الصياغة والتاريخ، فأخذ الموظف الخطاب لأخذ رأى المدير العام الذى طلب إعادة كتابته.. المهم ظللت هناك ما يقرب من ساعة ونصف، وليس هناك مكان للاستراحة، فالحجرات مكدسة والموظفون يتحركون بين المكاتب بالجنب ومنهم من معها طفل ومن مشغول باللعب على الموبايل.. فى النهاية ذهبت بنفسى مع الموظف للمدير العام الذى وقع، بعد الفحص والتمحيص، وطلب الذهاب إلى الموظفة حاملة ختم النسر، وبعد البحث عنها تبين أنها «مِشيت» و«تعالى بكره» لأخذ الخطاب بعد ختمه! رجعت للمدير العام فقال لى لماذا أنت غاضب؟ كان المفروض أن أحيل طلبك للشؤون القانونية لأخذ الرأى فى إعطائك الخطاب لأنه لا يصح أن نعطى أى معلومة خاصة بملفات الشقق إلا بعد أخذ موافقة الشؤون القانونية، فهل لا تعتبر هذا تسهيلا منى؟ ثم إن حاملة ختم النسر طلبت إذنا لأن والدتها مريضة فهل يرضيك أن أمنعها عن واجبها تجاه أمها المريضة! أنا لا أوجه هذا الكلام لأحد، فلا رئيس الهيئة ولا الوزير أو رئيس الوزراء ولا حتى رئيس الجمهورية يمكن أن يفعل شيئاً لتغيير هذا الروتين العفن أو المساس بهذه العقول المنغلقة التى استقر أصحابها فى كل ركن من أركان خرابة الجهاز الحكومى للدولة. فى رأيى أنه من المستحيل إصلاح أى منظومة استوطن فيها داء البيروقراطية العفنة عشرات السنين، والأعقل أن نطلب من وزارة التنمية الإدارية مثلا عمل تصور لإنشاء هيئة جديدة للأوقاف المصرية حتى وإن استغرق هذا بعض الوقت، بهيكل وقوانين ولوائح جديدة تتفق مع العصر، وعندما يتم إنشاؤها يحال القديم كله إلى الاستيداع، وبالتأكيد فإن عدد العاملين بالهيئة الجديدة سيكون حوالى ربع العدد الحالى على أكثر تقدير، ولتستمر الدولة فى إعطاء الباقى منهم مرتبه كإعانة بطالة أو تقوم بإعادة تأهيله لعمل آخر.. إنه حل يمكن تطبيقه على مرافق كثيرة بالدولة وصلت إلى حالة ميؤوس منها ولا يصلح معها إلا نسف القديم وإنشاء كيانات جديدة، ويعمل بها من لم تتلوث عقولهم بفيروسات البيروقراطية العفنة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق