الخميس، 8 أغسطس 2013

تاريخ مرسي الأسود


عادل حمودة يكتب : مرسى وافق على منح أمريكا قاعدتين عسكريتين فى السلـوم ورأس بناس وطلب تدخل الأسطول السادس لحماية نظامه!

8/5/2013   11:08 PM
عادل حمودة يكتب : مرسى وافق على منح أمريكا قاعدتين عسكريتين فى السلـوم ورأس بناس وطلب تدخل الأسطول السادس لحماية نظامه!

كان محمد مرسى يتصرف فى مصر كما لو كانت من «مخلفات» المرحوم والده.. ونحن لا نعرف شيئا عن المرحوم والده.. لا نعرف حسبه.. ونسبه.. وشجرة عائلته.. ولا نتذكر أنه ترك مالا أو عقارا أو أرضا أكثر من الخمسة فدادين التى وزعها جمال عبدالناصر عليه.. حسب قواعد قانون الإصلاح الزراعى.
 
لكن.. ما إن وصل محمد مرسى إلى السلطة حتى تصور أنه ملك مصر كلها.. ويحق له التصرف فيها بمفرده.. بعد أن سجلها فى مكتب الإرشاد.. الشهر العقارى لجماعته.
 
منح الإخوان 200 ألف وظيفة قيادية فى أقل من عام.. أدخل أبناءهم الكليات العسكرية دون التقيد بالتحريات الأمنية.. لم يمنح ثقته إلا لمن ينفذ نزواته السياسية المريضة.. أفرط فى منح الجنسية لفلسطينيى حماس.. ليكونوا سندا مسلحا يحميه ويحرسه.. وقبل بمئات المسلحين منهم لحماية نظامه.. وأدخل المطلوبين منهم البلاد ضاربا عرض الحائط بسجلاتهم الجنائية السوداء.
 
لقد فشل أخطر قياديى حماس رائد الخالدى فى دخول مصر بسبب وضعه على قوائم ترقب الوصول.. لكنه بأمر من خيرت الشاطر جاء هو وأسرته المكونة من خمسة أفراد إلى القاهرة من اسطنبول على مصر للطيران الرحلة 734 يوم 16 يونيو الماضى وحجز العودة يوم 25 يوليو.. لكنه.. لم يسافر.. فأين اختفى؟ وماذا يفعل؟ وما صلته بالعمليات الإرهابية التى تحدث الآن؟
 
وبعد فشل مرسى فى إجبار الأجهزة الأمنية (المخابرات العامة والمخابرات الحربية والأمن الوطنى) فى التنصت على معارضيه من السياسيين والإعلاميين وجد ضالته فى نائب رئيس الرقابة الإدارية اللواء بدوى حمودة الذى أوقف عن العمل بعد 30 يونيو فى انتظار قرار جمهورى بإقالته.. لكن.. الإقالة وحدها لا تكفى.. يجب تقديمه إلى محاكمة جنائية عاجلة.. بتهمة انتهاك حرمة الحياة الشخصية.. وهى جريمة لا تسقط بالتقادم.. ولا ينفيها مبدأ تنفيذ الأمر.
 
وقبل 30 يونيو تقرر تغيير رئيس شركة «نايل سات» ليأتى واحد من أغوات الجماعة ليسحب إشارة البث من خمس قنوات فضائية معارضة.. تمهيدا لإغلاقها.. وسجن أصحابها.
 
بدأت المؤامرة يوم 27 يونيو بتوجيه إنذار شديد اللهجة إلى هذه القنوات وإخراج ممثليها من المجلس المختص.. ليسهل الفتك بها.
 
بعد 48 ساعة أرسل وزير المجالس النيابية حاتم بجاتو خطابا إلى رئيس الحكومة هشام قنديل وصف فيه الإنذار بعدم المواءمة السياسية.. وحذر من أنه «سيزيد من الاحتقان ويظهر الحكومة فى مظهر العاصف بحرية الإعلام.. فضلا عن ذلك فإن إيقاف وسائل الإعلام أو غلقها أو تعطيلها أو مصادرتها لا يجوز إلا بحكم قضائى حسب نص المادة 48 من الدستور».
 
وأضاف: « «لو صدرت قرارات إدارية ضد جهة إعلامية فإن مآلها سيكون بغير شك الإلغاء إذا ما طعن عليها أمام القضاء الإدارى».
 
ولم ينس أن يذكره بأن الإعلام الخاص هو من أطلق شرارة الخامس والعشرين من يناير 2011 وأن تدعيم حريته وصونها من أهم مكتبسات الثورة.
 
تحرر الخطاب يوم السبت 29 يونيو وفى منتصف نهاره عبر حاتم بجاتو الشارع الذى يفصل مكتبه عن مكتب هشام قنديل.. وسمع منه رأيا لا يخلو من العمى والشماتة والأمية السياسية.. «شفت يا سيادة الوزير.. عدد المتظاهرين فى الشوارع.. لا يزيد على 15 ألف شخص.. كده جابوا آخرهم.. بكره 30 يونيو حنكنسهم».. فى إشارة غير صريحة بأن الشعب المصرى «زبالة».. سوف تكنس.
 
ولم يستطع هشام قنديل أن يخفى تفاصيل المؤامرة التى دبرها رئيسه لمعارضيه.. فقال مستطردا: «اتفقنا مع النائب العام على اتهام 35 إعلاميا وسياسيا بجريمة التآمر وقلب نظام الحكم».
 
ولكنه.. فيما بعد.. عقب 30 يونيو.. ارتدى مسوح الرهبان.. وتكلم بلغة أهل الله.. وتقدم بمباردة للإفراج عن قيادات إخوانية محبوسة على ذمة اتهامات محددة.. لتهدئة الأجواء.. وكأنه يرى هذه القيادات جواهر تبرق.. ويرى خصومهم قمامة يجب التخلص منها.
 
والنائب العام السابق طلعت عبدالله كان جاهزا لتنفيذ كل ما يطلب منه.. دون أن يهتز ضميره القضائى.. ودون أن يحسب حساب يوم يعاقب فيه بالنبذ من الهيئة القضائية على ما فعل.. فقد رفضت المحاكم المختصة فى الإسكندرية وطنطا إعادته إلى منصبه القضائى السابق.. وبصعوبة قبلته دائرة مدنية فى القاهرة.. قاضيا خامسا.. احتياطى الاحتياطى.. وكأنهم يقولون له.. «خليك فى البيت لا أحد يقبلك».
 
لكن.. كل هذه التجاوزات التى ارتكبها محمد مرسى لا تساوى شيئا إذا ما قورنت بتجاوزاته فى ملفات الأمن القومى.
 
ما إن انتهت زيارته للسودان حتى منح حلايب وشلاتين هدية لها.. وصرح بذك المسئولون الكبار فى الخرطوم.. ومنهم وزير البيئة حسن عبدالقادر هلال ونائب رئيس الجمهورية هناك على عثمان طه.. وفوجئت مصر بنقل خطوط حدودها الجنوبية 200 متر داخل عمقها.. لصالح الطرف الآخر.. فلم تتردد القوات المسلحة فى إعادة الحدود إلى ما كانت عليه فى هدوء.
 
وكانت مصر قد انتبهت إلى هذه المشكلة فى عام 1995.. فسعت جاهدة إلى إثبات وجودها هناك.. نقلت وحدة للدفاع الجوى.. وأنشأت محطة لتقوية الإرسال التليفزيونى.. وفى انتخابات 2005 اصرت على فتح لجان تصويت هناك.. ومدت شبكات التليفون المحمول.. وحذرت المخابرات الحربية من وجود خرائط لمصر نزعت منها حلايب وشلاتين.. بل إن مصلحة سك النقود سحبت عملة تذكارية بها نفس الخريطة الناقصة قبل توزيعها.
 
وحسب معلومات القيادى الإخوانى السابق المحامى مختار نوح فإن السودان يحصل على حلايب وشلاتين مقابل أن يترك دارفور بكل ما فيها من ثروات معدنية ثمينة للجنوب.. تنفيذا لمخطط أمريكى سافر يشمل المنطقة كلها.
 
ومنذ خرجت القوات البريطانية من مصر والنظام السياسى فيها يشعر بحساسية مفرطة من قبول قاعدة عسكرية أجنبية فى البلاد.. وفشلت الولايات المتحدة فى إقناع أنور السادات وحسنى مبارك فى منحها قاعدة للبنتاجون فى رأس بناس.. وأغلق الملف دون أمل فى فتحه.. لكن.. محمد مرسى باستهتار غير مبرر أبدى استعداده لمنح واشنطن قاعدتين.. إحداهما فى السلوم غربا.. والأخرى فى رأس بناس شرقا.
 
كانت قطر على ما يبدو المثل الأعلى للنظام الإخوانى فى مصر.. فما إن أطاح حمد بن خليفة بوالده خليفة بن حمد فى 27 يونيو 1995 حتى سارع الأمير الابن بتحويل بلاده صغيرة المساحة إلى ثكنة عسكرية أمريكية.
 
فى غرب الدوحة أنشئت قاعدة العيديد الجوية.. بممر إقلاع بطول 5. 4 كيلومتر.. ما يتيح إقلاع القاذفات الثقيلة التى استخدمت فى الغزو الأمريكى للعراق.. وتستضيف القاعدة المقر الميدانى للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية المسئولة عن المنطقة الممتدة من وسط آسيا إلى جنوب القرن الأفريقى.
 
وفى عام 2001 انتقل المقر الميدانى إلى قاعدة السيلية.. القاعدة الأمريكية الثانية فى قطر التى دفعت فى القاعدة الأولى مليار دولار.. ودفعت فى القاعدة الثانية 110 ملايين دولار.. وهى تقع على بعد 30 كليومتراً فقط من قلب العاصمة.. وتسع منشآتها 11 ألف جندى و116 مدرعة و150 دبابة و112 ناقلة مشاة.. ومساحتها 37 فداناً (1,6 مليون قدم مربع).
 
وعندما قام حمد بن خليفة بانقلابه كان والده خليفة بن حمد فى لندن يقضى إجازته الصيفية بعيدا عن حر بلاده.. وبعد أسابيع قليلة أرسل صفوت الشريف وكان وزيرا للإعلام بعثة من ماسبيرو لتسجيل حوارا معه.. وتحدث الأمير المعزول بمرارة عن ابنه.. وكشف عما يمكن وصفه بعلاقة غير سوية بينه وبين مدبر الانقلاب جاسم بن حمد.. وزير الخارجية ورئيس الوزراء فيما بعد.. ولكن.. ما أن شاهد مبارك شريط الحوار حتى رفض عرضه تليفزيونيا.. حرصا منه على علاقات طيبة مع كل الدول العربية.. ولا يزال الشريط فى ماسبيرو.. حان الوقت لإذاعته.. كى نعرف حقيقة المسئولين القطريين الذين يعتقدون أن من الممكن العبث بمقدرات مصر.
 
لكنهم.. ربما كانوا على حق.. فقد رفعهم محمد مرسى فوق أعناق جماعتهم.. ومشى وراءهم منوما بسحر ما منحوه من تعليمات وثروات.
 
ولم يكتف محمد مرسى باستعداده لمنح الأمريكيين قواعد عسكرية فى مصر وإنما طلب فى مكالمات سجلت له ولمساعديه تدخل الأسطول السادس الأمريكى لإنقاذ حكمه ونظامه وشخصه.. بعد ثورة 30 يونيو.. فى حالة نادرة تكاد تصل إلى حدود الخيانة العظمى.. يصعب تخيلها وتصورها وقبولها.
 
وعندما كانت الأجهزة المختصة ترفع تقاريرها الخاصة بالأمن القومى لم يكن ليتردد فى أن ينقل ما يسمع إلى مكتب الإرشاد أو حماس أو قطر.. حسب ما فى كل تقرير.
 
ومن جانبها شعرت هذه الأجهزة بالقلق من تسرب تقاريرها بهذه السهولة.. فقررت أن تكون تقارير كتابية.. بعد أن كانت شفهية.. ونجحت بوسائلها فى الحصول عليها مرة أخرى لتكون دليلا على استهتار محمد مرسى بملفات الأمن القومى.. ليصبح تحت يدها أغلى ملف فى أرشيفها.. ملف خيانة مرسى.. وهو ملف.. تصلح كل ورقة فيه لتقديم بلاغ قضائى.. ربما يكون أكثر خطورة من قضية وادى النطرون التى حبس على ذمتها احتياطيا.
 
على الجانب الآخر.. خسرت الولايات المتحدة رئيسا.. كان سينفذ لها كل ما تشاء.. دون مقاومة.. وبثمن وطنى بخس.. أن يبقى فى الحكم.. كان مستعدا أن يقيم وطنا قوميا للفلسطينيين فى سيناء ممتدا من رفح إلى غزة لعلاج عودة اللاجئين.. بجانب ضمان سلام مستقر للإسرائيليين.. وسيطرة أمريكية كاملة على مصر.. وإعادة مشروع الإمبراطورية العثمانية من جديد تحت قيادة الديكتاتور التركى الذى يسجن الصحفيين ويغلق الصحف ويقتل المعارضين فى عرض الطريق.. رجب طيب أردوغان.
 
لكن.. الثورة الشعبية الهادرة فى 30 يونيو فاجأت كل هذه المخططات والمؤامرات فقلبت الموائد.. وسكبت فناجين القهوة على ثياب المتآمرين.. ومزقت الخرائط الجديدة للمنطقة.. وألغت المباراة قبل أن تبدأ.. وفاجأت اللاعبين عرايا قبل النزول إلى الملعب.
 
وربما يفسر ذلك اضطراب الموقف الأمريكى مما جرى فى مصر.. وتأرجحه بين القبول والرفض.. بين الضغط والاستسلام.. بين العنف والضعف.
 
لقد قبلت واشنطن بالتخلص من محمد مرسى فى 3 يوليو.. ووصفته بالحاكم الديكتاتورى الذى جاء بالصندوق ليقول للشعب المصرى «أنا ربكم الأعلى».. أنا فرعون.. أنا الحاكم بأمر الله.. لكن.. واشنطن لم تعترف بأن ما جرى فى 30 يونيو «ثورة شعبية».. ولم تعلن فى الوقت نفسه أنه «انقلاب عسكرى».. ورغم التصريحات الرسمية غير المشجعة فإن الإدارة الأمريكية لم تفرض عقوبات عاجلة.
 
وبعد أسبوعين من الإشارات المتناقضة جاء مساعد وزير الخارجية ويليم بيرنز إلى القاهرة فى 14 يوليو وبقى فيها ليلتين.. وفى لقاء جرى فى بيت السفيرة آن باترسون سمع الرجل من شخصيات مصرية أن سمعة بلاده أصبحت سيئة فى الشارع المصرى.. وأن زمام القوة الذى أصبح فى يد الشعب يمكن أن يجبر السلطات العليا على قطع العلاقات بين البلدين.. وانتهى الرأى بطلب أن تفعل الإدارة الأمريكية شيئا عاجلا لإنقاذ نفسها.. لكن.. السفيرة لم تسمح له بالرد.. وقالت فى عصبية حادة بصوتها المتفجر خنفا: «ليس قبل ستة أشهر».. وكأنها ترى أن الاستقرار فى مصر لن يحدث إلا بعد هذه المدة.. أو كأن هذه الفترة ستكون فرصة للإخوان يمكنهم فيها استعادة الحكم.
 
بدا واضحا أن آن باترسون لم تفقد الأمل فى إعادة الإخوان إلى الحكم.. وسعت حكوماتها من جديد إلى دعم الجماعة ماليا وإعلاميا وسياسيا.. ورصدت أجهزة مختصة لقاءات جرت سرا بين عملاء مصريين وضباط الأجهزة الأمريكية المسئولة عن تشغيلهم.
 
وتكرر الطلب الأمريكى بالإفراج عن محمد مرسى.. بصفته رئيسا منتخبا.. دون أن تتذكر الإدارة الأمريكية أنها وصفت الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى فاز فيها مبارك بالنزاهة والشفافية ورغم ذلك باركت إقالته والتخلص منه.. مؤكدة أن ما حدث فى الشارع ضده.. ثورة شعبية.. ولكنها.. لم تقبل بنفس الموقف مع محمد مرسى رغم أنه تكرار متطابق لما حدث مع مبارك.. صورة طبق الأصل منه.
 
وفى محاولة لإثبات أن ما جرى ليس انقلابا عسكريا تركت الجماعة والأحزاب المتحالفة معها تعبث بأمن المواطنين فى أحداث عنف فرضت نفسها على الشارع.. وفى الوقت نفسه أعلن القيادى الإخوانى محمد البلتاجى نفسه رئيسا مؤقتا.. تمهيدا لاعتراف أمريكى بشرعيته.. ليصبح فى مصر رئيسان وشعبان وحكومتان وجيشان.. ليتكرر السيناريو السورى من جديد.. ويسهل تقسيم الدولة المركزية الموحدة لتكون أكثر من دولة.
 
ووصلت موجات العنف وقطع الطرق إلى ذروتها يوم الاثنين الماضى ( 22 يوليو ) ونقلت قوى سياسية وشعبية وحزبية شعورها بالقلق على تكرار سرقة ثورة 30 يونيو بأسلوب آخر عن الذى سرقت به ثورة 25 يناير.. فدعا الفريق أول عبد الفتاح السيسى إلى اجتماع فى منتصف نهار اليوم الثانى.. الثلاثاء.. وفيه تقرر إعلان خبر حبس محمد مرسى 15 يوما على ذمة قضية وادى النطرون.. وطالب وزير الدفاع بحشد الجماهير فى مليونية جديد يوم الجمعة 26 يوليو.. لكن.. فوجئ بمن يصارحه بأن «الناس تعبت» وأن الحشد ربما لن يكون كما كان فى 30 يونيو.. ولم يملك السيسى إزاء شعوره بالصدمة سوى السكوت.. دون أن يكشف كما هى طبيعته عما يفكر فيه.. وما سيتخذه.
 
فى اليوم التالى فاجأ حضور حفل تخريج دفعة جديدة من كليتى البحرية والدفاع الجوى بدعوته للنزول إلى الميادين لمنح الجيش تفويضا يسمح له بتصفية الإرهاب.
 
وبعد نحو الساعة تلقى السيسى اتصالا هاتفيا من نظيره الأمريكى تشاك هيجل الذى أبدى اعتراضه على دعوة نزول المصريين.. ومن باب الضغط المباشر تقرر تجميد تسليم دفعة جديدة من طائرات إف 16 وعددها أربع.. والصفقة كلها 20 طائرة.. وقعت فى 2009.. قيمتها 3.2 مليار دولار.. وتقضى بإرسال 20 طائرة خلال عام 2013 بجانب عشرات من دبابات إم وان آى وان.. وهى صفقة ساهمت فى تشغيل عشرة آلاف عامل أمريكى.
 
وحاول البنتاجون التخفيف من حدة القرار بأن تحدث عن «تجميد» وليس إلغاء.. كما أنه اعتبر مناورات النجم الساطع أكثر أهمية.. ودليلاً أكبر على متانة العلاقات بين البنتاجون والمؤسسة العسكرية المصرية.
 
فى اليوم نفسه نصحت مراكز الدراسات الاستراتيجية المتخصصة جنرالات البنتاجون بعدم التصعيد مع مصر.. وإلا سنجد أنفسنا أمام موقف مشابه فرضناه عام 1954 على جمال عبدالناصر.
 
كان عبدالناصر قد طلب دعم الجيش المصرى بأسلحة أمريكية متطورة لكنه لم يتلق سوى عرض بأسلحة خفيفة لحراسته.. فاتجه إلى الاتحاد السوفيتى ليجد مخازنه مفتوحة على مصراعيها.
 
نفس الموقف وجد السيسى فيه نفسه.. هل سينفذ الأمريكيون ما تعهدوا به أم أنهم سيجبرونه على الذهاب إلى روسيا.. خاصة أن رئيسها فلاديمير بوتين مستعد للاستجابة الفورية.. وربما رفعت صوره فى الميادين المصرية نوعا من التحذير للطرف الآخر.
 
ولو كان عبدالناصر بسحر الكاريزما الشخصية اقنع شعبه بالسير فى الطريق المعاكس للغرب فإن السيسى بجانب نفس السحر مجبراً على الاستجابة للشعب صاحب السلطة العليا الآن بتغيير الدفة بعيدا عن الولايات المتحدة.. لو طلب منه ذلك.
 
وزادت النصيحة الموجهة للبنتاجون من خبرائه بتذكيره بخسارة الديمقراطيين لإيران.. وهم مهددون الآن بخسارة مصر.. الدولة التى تحمى مصالح الولايات المتحدة فى جنوب البحر المتوسط.. وهى تسهيلات المرور فى قناة السويس.. واستخدام المجال الجوى المصرى دون استئذان.. وضمان حماية حدود إسرائيل.. والمساعدة فى محاربة الإرهاب.
 
فى اليوم التالى (الخميس 25 يوليو) تغير الموقف الأمريكى للمرة الثالثة.. فخرج بيرنز ليقول فى جلسة مغلقة للكونجرس: «إن ما حدث فى مصر منذ 30 يونيو ليس انقلابا عسكريا كما يصوره البعض».
 
لقد أدركت واشنطن أن خسارة الجيش المصرى فى هذا الوقت الذى يتصاعد فيه التأييد الشعبى له والغضب الشعبى من الولايات المتحدة سيجهز على مصالحها وتواجده.. وينسف جهود ثلاثين سنة من التعاون.. أنفق فيها ما يزيد على 50 مليار دولار.
 
وفى اليوم التالى للحشود الهائلة التى نزلت الشوارع والميادين يوم 26 يوليو بعث أوباما برسالة إلى الرئيس المؤقت عدلى منصور قال فيها من تحت ضرسه: «إن الولايات المتحدة ستظل شريكا قويا للشعب المصرى فى سعيه لتحديد مسار بلاده نحو المستقبل».
 
ومشيت بريطانيا على خطى الولايات المتحدة.. متجاوزة مرحلة دعم الإخوان.. فقد أصابت حشود 26 يوليو الجميع بصدمة سياسية أربكت كل الحسابات.
 
كنا فى «الفجر» أول من دعا إلى هذه التظاهرات قبل أن يتحدث السيسى عنها.. ففى اليوم السابق اتفق مجلس التحرير على أن يكون المانشت الرئيسى للعدد الأخير: «جمعة إعدام مرسى».. دعما لقرار حبس مرسى 15 يوما.. واتصلنا بنشطاء مثل محمد عبدالعزيز المسئول السياسى لتمرد ومنى منير مسئولة المرأة فى حزب المصريين الأحرار وتوفيق عكاشة الإعلامى المؤثر والدكتور ممدوح حمزة.. الأكثر موهبة فى تجهيز الميادين لاستقبال الحشود.
 
كان ممدوح حمزة فى نيويورك يرتب أوضاعا تعليمية لابنته مى عندما طلبت منه العودة.. فلم يتردد فى الاستجابة.. وطوال الرحلة.. بدأ فى كتابة الشعارات التى ستظهر على اللافتات ومنها باللغة العربية: «الشعب يريد محو الإخوان».. «قوم يا سيسى الشعب بيناديك».. ومنها باللغة الإنجليزية: «أمريكا وأروربا أرفعا ايديكما عن مصر».. و«الآن يعنى الآن».. وهى نفس الجملة التى قالها أوباما لحظة إصراره على تنحى مبارك.
 
ونصبت فى الاتحادية منصة مساحتها 180 متراً مربعاً لتحتمل مائة عازف ومنشد يقودهم المايسترو سليم سحاب.. وجهزت 15 ألف وجبة إفطار.. واستعدت خمس سيارات إذاعية للخروج من أحياء مختلفة فى القاهرة.. محمية من مواطنين مسلحين.. وطبعت منشورات بجرائم مرسى.. وصور للرئيس الأمريكى فى هيئة أسامة بن لادن.. وصور أخرى له مشطوب عليها.. مع مطالب بترحيل السفيرة الأمريكية.
 
واتفق على أن تستمر الحشود من الإفطار إلى السحور لكن.. طلب الجيش موعدا مبكرا.. لكى يتاح لطائراته التصوير الجوى فى ضوء النهار.. فتعدلت المواعيد من العصر إلى السحور.
 
وحتى لا يشكك أحد فى حجم الحشود أو يدعى أنها خدعة «فوتوشوب» دعت القوات المسلحة مراسلين أجانب ليصاحبوا الطائرات وهى تطوف المحافظات.. ورغم ذلك نسبت محطات فضائية إخبارية الحشود المؤيدة لدعوة الجيش إلى أنصار مرسى.. فى حالة مخزية من حالات الفساد المهنى المفضوح.. حدث ذلك مع الجزيرة وسى إن إن وقناة فرنسا 24 التى اعتذرت فى اليوم التالى عن جريمتها.
 
لكن.. ذلك لا ينفى أن الإخوان لا يزالون متفوقين فى مخاطبة الرأى العام الخارجى.. فقد فتحوا ميدان رابعة العدوية للمراسلين الأجانب.. بمن فيهم مراسل الإذاعة الإسرائيلية التى لم تتوقف عن بث مباشر بدعم وتشجيع من قيادات الجماعة.
 
وفى الوقت الذى فشلت فيه هيئة الاستعلامات والمكاتب الإعلامية الخارجية فى توصيل الصورة الصحيحة. وصلت إلى القاهرة الصحفية الأمريكية لالى بمبس ابنة كاترين جرهام مؤسسة صحيفة واشنطن بوست ومجلة نيوزويك لتضع فى جدول مواعيدها زيارة نائب رئيس الجمهورية محمد البرادعى ورئيس الحكومة حازم الببلاوى ونائبه زياد بهاء الدين ووزير الخارجية نبيل فهمى.. وجمعنى معها إفطار رمضانى يوم الثلاثاء.. أمس الأول.
 
وأمام الحشود التى وصلت إلى 29 مليون شخص بدأت محاولات متعمدة لإفساد المناسبة الوطنية النادرة.
 
كان الطالب الجامعى محمد سمير أبو غنيمة فى سيارة مع عدد من اصحابه هم بولا وطارق وعبدالرحمن عندما كسرت عليهم سيارة شيروكى سوداء بدون لوحات يقودها ملثمون وأطلقت رصاصات حية على محمد فقتل فى الحال وأصيب زميل له بخرطوش فى كتفه وجرى باقى من كان فى السيارة.
 
أغلب الظن أن القتل كان عشوائيا كما سبق أن فعلت نفس مجموعة السيارة الشيروكى قبل عودتهم إلى ميدان النهضة.. وإن كان البعض يرى أن السبب ربما شخصية محمد.. فوالده ضابط مخابرات كبير.. أو ربما كان السبب الصليب الذى كان بولا يعلقه فى سيارته.. وقد دفن محمد فى قويسنا.. وسط دعوات صارخة من أصدقائه فى الجامعة الأمريكية بالانتقام.
 
ولتشويه مشهد 26 يوليو تفجرت أحداث عنف فى مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية وأمام المنصة فى القاهرة قبل أن ينكشف ضوء نهار اليوم التالى.. وخلت قائمة الضحايا من الإخوان.. فقد كانوا من البسطاء الذين استأجرتهم الجماعة ليكونوا بمثابة الصفوف الأولى التى توارت وراءها.. ليكون ثمن حياة المواطن المسكين فى عرفها 300 جنيه فقط.
 
واستغل المرشد محمد بديع وجود سيارات إسعاف لنقل الجرحى ليخرج متسللاً فى سيارة لدفن الموتى.
 
وكانت الجماعة قد كسرت شقة فى إحدى عمارات رابعة العدوية هجرها صاحبها الطبيب قرفا مما حوله لتصبح استراحة للمرشد.. ليضاف إلى جرائمها جريمة انتهاك حرمة المساكن.. والسطو عليها.
 
وفى نفس ليلة 26 يوليو التقت السفيرة الأمريكية باثنين من قيادات الإخوان هما عمرو دراج (الوزير السابق للتعاون الدولى) ومحمد على بشر (الوزير السابق للتنمية المحلية).. وهما المسئولان عن ملف التفاوض للخروج من الأزمة.
 
كان اللقاء فى فندق فورسيزونز جاردن سيتى.. ولم نتوصل إلى ما جرى فيه.. وإن عرفنا أن الرجلين فشلا فى إقناع الجماعة بالحلول السلمية.. فلا يزال الصقور يرون أن العنف ونشر الفوضى هما السبيل الوحيد لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.. ولو أدى ما يحدث إلى تدخل أجنبى.
 
وفى لندن تعجب الدكتور عصام عبدالصمد رئيس اتحاد المصريين فى أوروبا من اللقاءات التى يجريها دبلوماسيون أجانب فى القاهرة مع شخصيات إخوانية مطلوبة فى قضايا جنائية.. واضاف: إن ذلك انتهاك لسيادة الدولة.. يحتاج إلى تدخل عاجل لمنع هذه المهزلة.. على أن يعتبر الدبلوماسى الذى يصر عليها شخصا غير مرغوب فيه.. يجب طرده على الفور.
 
فى الوقت نفسه بدأت علامات الضيق تتزايد بين المصريين لتأخر الجيش فى حسم العنف والفوضى والإرهاب.. بعد التفويض الذى منحوه بلا تردد.. وهو ما يهدد بنفاد صبر.. ربما ينتهى بظهور حالة من الغضب.. فى اتجاه معاكس.. وإن كان من المؤكد أن الجيش يقيس ذلك ويحسب حسابه جيدا.
 
وكان مجلس الدفاع الوطنى قد اجتمع فى يوم السبت الماضى لمدة ساعتين برئاسة عدلى منصور وبحضور شخصيات يدها فى النار.. منها مدير المخابرات الحربية اللواء محمود حجازى ومدير المخابرات العامة اللواء محمد التهامى.. وفى اليوم التالى خرج عن المجلس بيان يؤكد حرمة الدم المصرى وعدم السماح باستباحته.. ويؤكد التزام الدولة بضمان حقوق وحريات مواطنيها.. خاصة حق التعبير عن الرأى بطرق سلمية.. وأهاب بالمعتصمين فى رابعة العدوية وميدان النهضة بالإعلان الفورى عن نبذ العنف والتوقف عن ممارسته.. وأضاف: إنه سيراقب ما يجرى فيهما.. وقرر «اتخاذ القرارات والتدابير الحاسمة والحازمة حيال أى تجاوز».
 
ومن جانبى طرحت مبادرة عاجلة.. أن تقوم النيابة العامة بتفتيش رابعة والنهضة بلا شرطة وبحضور ممثلين عن الأزهر والجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الدولية.. فإذا كانت خالية من السلاح.. فلا بأس من استمرار الاعتصامات.. وإذا رفض الإخوان التفتيش فهذا دليل على أنها مسلحة.. يجب تطهيرها من وسائل القتل.. حماية للقاتل قبل القتيل.
 
ويصعب القبول بخروج مرسى من محبسه الآمن.. فحياته فى خطر.. وهناك أطراف مختلفة يمكن أن تقتله.. ثوار غاضبون ينتقمون لشهدائهم الذين ماتوا فى ظل حكمه.. النظام الخاص فى جماعته لإثارة الفتنة.. التنظيم الدولى للإخوان.. لنفس السبب.. ولنفس السبب أيضا يمكن أن تتخلص منه أجهزة مخابرات معادية ومحترفة.
 
ويؤكد بعض هذه الاحتمالات ما سبق أن قاله لى مدير المخابرات العامة السابق رأفت شحاتة بأن جهازه رصد خطة إخوانية للقضاء على مرسى إذا لزم الأمر.
 
ويقيم مرسى فى مكان يصعب الوصول إليه حتى لمن زاروه من قبل.. وهو يقضى الليل مستيقظا.. ويبدأ نومه بعد العاشرة صباحا.. والسبب إصابته بفيروس «سى» الذي يؤدى إلى اختلال وظائف الكبد ويسبب انعكاس نمط النوم، بجانب أدوية الصرع التى يتناولها.. وهى أدوية تقلب يوم من يعالج بها.. فتجعله ينام نهارا ويصحو ليلا.
 
وكنت قد عرفت من أمناء فى الرئاسة عملوا معه أنه فى الغالب كان يصل قصر الاتحادية مبكرا.. وينام من الساعة العاشرة حتى الساعة الخامسة.. ليبدأ بعدها نشاطه ومقابلاته.. وهو ما يفسر تأخر خطبه.. وتألقه بعد العاشرة مساء.
 
وتروى نفس المصادر قصة ركوب زوجته السيدة أم أحمد الطائرة الرئاسية أول مرة.. فقد صعدت إليها وهى تمسك بحقيبة من البلاستيك وفى قدميها شبشب «زنوبة» من البلاستيك.. وطلبت تغيير سجاد الطائرة دون أن تعرف أنه موكيت.. ورفضت تناول الطعام على أطباق متتالية قائلة أنها تريد كل الطعام فى طبق واحد.
 
لكن.. فى المرة التالية وبعد أن جاءها خبير لبنانى فى البروتوكول اسمه رونى تغيرت تماما.. صعدت الطائرة وفى يدها حقيبة من لوى فيتون.. وفى قدميها حذاء متوسط الكعب.. واستسلمت لتعليمات المضيفات.
 
ونحن فى انتظار أن يستسلم زوجها وجماعته إلى إرادة الشعب المصرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق